الرواقيّة كنظام فلسفي ، تنقسم لثلاث أركان
أخلاق , منطق , طبيعة
يرتّب بعض الباحثون تلك المحاور الرواقيّة الثلاثة إلى شكل البيضة,
حيث يمثّل المح بالطبيعة , الزلال يمثل الأخلاق , أما القشرة فتمثل المنطق
وفقًا لهؤلاء الباحثين , فإن الطبيعة هي نواة الرواقيّة ، حيث بجهلنا لطبيعة عمل الكون , يصعب تحديد الأخلاق
في مقابل سيولة الأخلاق , تمثل قشرة البيضة صلابة المنطق
بناءًا على البيضة الرواقيّة , سأقدّم لكم أركان الرواقيّة الثلاثة
"أركان الرواقيّة الثلاثة"
قبل أن أشرُع في تفسير كل ركن من أركان الفلسفة الرواقيّة , بدءّا بالقشرة وحتى المُحّ ,
أريد التنويه إلى أن تلك الأركان مترابطة ببعضها البعض
وبفقدان أحدها ,سينهار النظام
لنبحر في الموضوع
1- المنطق
ربما نعتبر أن تفكيرنا العقلاني تجاه السبب و النتيجة أمر مسلّم به
لكن في الماضي ,لم يفكّر الناس دائمًا بتلك الطريقة
وللأمانة , لا يزال العديد من الناس في الوقت الحالي يميلون لخوض جدالاتٍ منطقيّة في حين أنهم مدفوعون بالكامل من قِبَل عواطفهم
المنطق هو الوجود
الرواقيّون الحكماء يجيدون خوض الجدالات الفلسفيّة
ديوجين , أحد المصادر التي وصلتنا عن المنطق الرواقيّ يقول في الاقتباس التالي :
"هذا هو حال الرواقيين في المسائل المنطقيّة ,
إنهم يضمنون أن الشخص الحكيم دائمًا ما يحسِن الجدال المنطقيّ ,
في كل أنواع الجدال الفلسفي
في ما يخص كلٍ من الشؤون الطبيعية أو الأخلاقية "
يمكننا القول بأن المنطق لا يمثّل فقط القشرة الصلبة التي تحمي الأخلاق و الطبيعة معًا ,
لكنه يمثّل أيضًا الوجود الرّاسخ المتين للفكر و الذي يجب السيطرة عليه لكي يتم ربطه بالركنين الآخرين من الفلسفة الرواقيّة
المنطق الرواقي يرتكز على قواعد أشبه بالقواعد اللغوية , مثل الافتراضات التي لا تمثّل الصح ولا الخطأ
على سبيل المثال , لو كنت تشاهد هذا الفيديو خلال النهار , فلتلقِ نظرة من النافذة
على الأرجح ستجد ضوء النهار يملأ المكان ،
لو كان الوقت نهارًا فإن ذلك الافتراض صحيحٌ بطبيعة الحال ,
يمكن أن تفترض الافتراض التالي : خارج النافذة سأرى ضوء
لكن لو كان الوقت منتصف الليل , فإن ذلك افتراضٌ خاطئ
لتفسير الأمر , يمكننا إضافة بعض التعقيدات لجدالنا ثم نفترض الآتي :
"لو كان الوقت نهارًا سنرى الضوء"
وفقًا للرواقيّة , يحكم الكون قوىً عاقلة يسمونها "لوجوس" logos
و من هنا استخدمت كلمة منطق logic للدلالة على مبدأ الوجود
2- الأخلاق
ما هو التصرّف المناسب وما هو التصرّف الغير مناسب؟
لشرح هذا الأمر , سنعرض يدُ ترسم
يزعم الرواقيّون , أننا بمجرّد تحكّمنا في وجود العقل , فإننا سنتمكّن عندها من تحديد أخلاقنا
لقد ميزوا الفضيلة , و التي تؤدّي دومًا للسعادة ,
عن الرّذيلة , و التي تؤدي دومًا للشقاء
قسّم الرواقيّون الفضيلة لأربعة أقسام فرعيّة :
الاعتدال , العدالة , الشجاعة ,الحكمة
وبنفس الطريقة قسّموا الرّذيلة إلى : الظلم, الجبن , الإسراف , الحمق
بين الفضيلة و الرّذيلة , ثمّة منطقة رماديّة واسعة
مؤلّفة من أمور ليست سيّئة بالضرورة و لا جيّدة بالضرورة
يسميها الرواقيّون الأمور الحياديّة
إبدائك لحسن الخُلُق من عدمه حيال تلك الأمور الحياديّة , يتوقّف على حالتك ,
ومقدرتك على التفكير بمنطقيّة , مما يساعدك على أن تقرر طريقة تصرفك حينها
بكلماتٍ أخرى ، لا تعتبر الأمور الحياديّة محض شر ولا تؤدّي للسعادة
بل يتوقف تصنيفها على طريقتك لاستخدامها
كيف تستخدم تلك الأمور إذًا ؟
وِفقًا لزينون من السيتيوم مؤسس الفلسفة الرواقيّة ,
الهدف من الحياة هو أن تنساب مع تيار الطبيعة كما قال في الاقتباس التالي:
"كل الأشياء هي جزء من كل متكامل يسمّى الطبيعة ,
نعتبر حياة المرء جيّدة في حالة كونها متناغمة مع الطبيعة" نهاية الاقتباس
إنّ الفضيلة بطبيعة الحال, كل ما هو متناغم مع الطبيعة ,
في حين أن الرّذيلة ، هي كل ما ينافي الطبيعة
أما عن الأمور الحياديّة , ميّز الرواقيّون ما بين الحياديّات المستحبّة و الحياديّات المكروهة
من أمثلة الحياديّات المحببة : القوّة , الثروة , المتعة , السمعة الطيبة
عادةً ما تكون تلك المميزات إيجابية , لكن من الممكن ألّا تجلب السعادة
أمثلة الحياديّات المكروهة : المرض , الضّعف , القبح , السمعة السيّئة
عادةً ما تكون تلك الأمور سيّئة لكن ,ليس من الضروري أن تجلب الشّقاء
مجددًا , طريقة تعاطيك مع تلك الأمور هي من تحدد كون حياتك سعيدة أم تعيسة
يجب أن أعترف بوجود الكثير من الآراء بشأن مسألة الأخلاق في الفلسفة الرّواقيّة , لكن تلك هي الأساسيّات
3- الطبيعة
لكي تعيش متناغمًا مع الطبيعة , يجب أن تفهمها
مصطلح الفيزياء قد يعني في الرواقيّة الطبيعة
لأننا لا يمكننا مقارنتها بالميتافيزيقية الحديثة
اختصارًا , الفيزياء الرواقيّة تعني فهم الكون
مثل الأخلاق , الطبيعة هي منظومة واسعة من الأفكار و المفاهيم ، لذا سأتناول المبادئ الأساسيّة
اعتقد الرواقيّون بوجود كينونة إلهيّة تسمّى لوجوس وهي تشمل القوة العاقلة
الوجود من وجهة نظرهم يتألّف من مادّة و pneuma -روح-
تمثل المادّة كل شيء يمكن الشعور به بحواسّنا , وهي بمفردها أشياء سلبيّة ، تفتقر للحياة وقابلة للتلف
أما القوى النشطة الكامنة وراء كل التغيرات المتبديّة في الكون هي ما يسميه الرواقيون pneuma
و التي تختلط تمامًا بالمادة السلبيّة ، كما أنها غير قابلة للتلف
الفيلسوف الرواقي الشهير : كريسيبوس وصف ال pneuma باعتبارها مركبة اللوجوس و التي تكوّن المادة
pneuma تجلب الحياة إلى الكون
حركة النجوم والكواكب , وجود الحياة , أمواج البحر
كلها أمور تسيّرها pneuma و التي هي مبنية على أساس المبدأ العقلاني اللوجوس
يعتقد الرواقيّون أن كل شيء مُقدّر سلفًا ,
مع ذلك ,لقد قالوا بوجود عدد لا نهائي من الوقائع الأخرى تختلف باختلاف الاختيارات التي نقوم بها
وعليه , تتعدد الطرق التي نختار اتباعها
تلك الدرجة من الجبريّة مشابهة كثيرًا للمنظور الإسلامي و المسيحي
من جهة ، أقدارنا مكتوبة في النجوم
ومن الجهة الأخر , لا زلنا نتمتّع بإرادتنا الحرّة
ليس مفاجئًا أن للرواقيّة تأثير عميق على المسيحيّة
وأيضًا تتفق مع الإسلام في العديد من الأمور في نفس الوقت
كما أن الطاوية و البوذية مماثلتان للرواقيّة من عدة مناحي
هذا كل ما لديّ , شكرًا للمشاهدة
"قناة الوحيد"